رجب ابو سرية
في تقريره الأولي عن واقع التعليم في قطاع غزة، عبّر مدير العمليات في "الأونروا" السيد جون جنج عن صدمته من النتائج، بعد اجراء اختبار عام للفصل الأول من العام الدراسي الحالي، التي كشفت مستوى ضعف الطلاب الفلسطينيين في مدارس الوكالة، ما دفعه لإعلان حالة "الاستنفار" بحثاً عن مخارج، يمكن من خلالها تجاوز الحالة التعليمية الصعبة القائمة.
ضمن رد فعله الأولي، توجه السيد جنج الى نخبة من الإعلاميين وأصحاب الرأي الموضوعي المحايد في القطاع، في إقرار من قبله بعدم القدرة على تجاوز العثرة التعليمية، دون إسناد مجتمعي، ودون تحرير التعليم من تأثيرات التجاذب السياسي، هذا مع الإقرار بالتأثيرات السلبية والمعيقة لكل الظروف المحيطة بالمجتمع في القطاع، سواء كانت تلك المتعلقة بالحصار أو بالواقع المعيشي الصعب، الذي تتفاقم فيه حالة الفقر والضغط النفسي والاجتماعي لأسباب متعددة.
من المعروف بالطبع، أن قطاع التعليم الإلزامي، أي الذي يشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية، يقتصر نشاط الوكالة عليه، دون المرحلة الثانوية، التي تعتبر بالقطع، ولو كانت هناك دراسات حولها اصعب، كذلك فإنه يمكن القول بثقة ان التعليم الحكومي وحتى الخاص، ليس افضل حالاً، إن لم يكن اسوأ مما هو عليه الحال في "الأونروا".
النتائج تشير الى معدلات نجاح ضئيلة ومتدنية في المواد الاساسية: (اللغة العربية، الرياضيات، العلوم، واللغة الانكليزية)، بحيث تراجع طموح راسم السياسة التعليمية في الأونروا الى مجرد تأهيل طلاب المرحلة الإلزامية، ليتخرجوا منها وهم يتقنون القراءة والكتابة، ويقومون بالعمليات الحسابية الاساسية.
يمكن اعتبار تقرير الأونروا، بمثابة دق ناقوس الخطر، واعطاء مؤشر على مجمل الحالة المجتمعية في قطاع غزة، الذي ينفرد الآن بوجود معدلات أو مستويات غير مسبوقة، لا في القطاع نفسه، ولا في ما تبقى من تجمعات فلسطينية، في الداخل والخارج من الانهيار شبه التام والكامل، وعلى كافة المستويات. وكأن قطاع غزة الآن يسير - على بركة الله - لا توجد
هناك قيادة مسؤولة عنه، أو تهتم بشأنه، وهنا لا يسعنا إلا أن نقول للمرة الالف، إنه ليس كل الحق على الطليان!
واحدة من أهم مشاكل قطاع التعليم المتراكمة، الاكتظاظ في الصفوف، والتي تستدعي بناء العشرات، إن لم يكن المئات من المدارس، التي يمكن لها ان تساعد ايضاً على حل مشكلة البطالة في صفوف خريجي الجامعات، وهنا يمكن للمجتمع المحلي، وللقوى السياسية الخبيرة في جمع التبرعات لاقامة عشرات، بل ومئات المساجد ان تهتم ببذل جهد مشابه لبناء المدارس والمستشفيات التي يحتاج اليها الناس للتخفيف من وطأة الضائقة التي يمر بها الجميع.
عدد المشكلات التي يعاني منها ويواجهها قطاع غزة من داخله عديدة، وهي تشمل كافة القطاعات، اضافة الى التعليم، هناك الصحة، وهناك الحياة البلدية، الشوارع والمرور، المواد والاحتياجات الاساسية، هناك متطلبات كاملة، على السلطة التي تدير القطاع الآن ان تواجهها وأن تقوم عليها، مهما كانت صفتها، ولا يكفي هنا، هز الاكتاف او الاستمرار في القيام بدور المعارضة للسلطة المركزية، التي تمردت عليها اولاً، والتي من المفترض ان تقدم النموذج، الذي يبرر على الاقل اقدامها على حسم الصراع على السلطة بالطريقة التي تمت.
عامان مرا على اجراء الانتخابات العامة، وعلى تشكيل حكومتي حماس العاشرة والحادية عشرة، وإذا كانت الفترة الاولى، فترة الحكومة العاشرة مشوبة بصراع على الصلاحيات، برر او على الاقل اتخذت منه حكومة حماس ذريعة لتفسير عدم قيامها بمسؤولياتها تجاه الشعب الذي تحكمه، فإن ثمانية شهور مرت الآن على حكمها المنفرد لقطاع غزة، كفيلة بمراجعة هذا النموذج من الحكم الذي تقدمه حركة حماس، ليس للفلسطينيين فقط، بل ولعموم جمهور وأعضاء الحركات الاسلامية السياسية في الوطن العربي بأسره حتى ما تركز عليه سلطة حماس في غزة، وهو الجانب الامني لا يخلو من المشاكل، ولعل حالة التهديد القائمة والمستمرة للعديد من مؤسسات المجتمع المدني والخاصة، التي لا تتوافق ومبدأ التسامح او المجتمع الحديث، تعتبر مؤشراً خطيراً للغاية، ودليلاً على طبيعة الادارة السياسية للمجتمع المدني في قطاع غزة.
غني عن القول، إن مطلق سلطة حاكمة، منوط بها، توفير الاحتياجات العامة للناس، من العمل والرواتب، الى حرية التنقل والحركة، الى الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، فضلاً عن الحقوق المعنوية التي تدخل في اطار الديمقراطية العامة.
ثم وبعيداً عن المماحكات السياسية، قطاع غزة يعتبر الان تجربة ويتم من خلاله تقديم نموذج "مختلف" للحكم، لا بد من الحكم عليه بالافعال وليس بالاقوال، ولولا المساعدات الانسانية الدولية، والتزام السلطة المركزية بدفع الرواتب لانهار القطاع بشكل تام وكامل ولانتشرت فيه المجاعة والاوبئة ولتحول الى مجتمع اشباح.