فتاتان صغيرتان قد تسجلان في التاريخ الاميركي باعتبارهما تسببتا في انتخاب رؤساء للولايات المتحدة. اسم الاولى "طفلة الفخار" وقد ظهرت في البرامج الانتخابية لحملة العام 1964 وهي تقطف ورقة الزهرة قائلة: واحد اثنان ثلاثة حتى عشرة. وفي هذه اللحظة حل صوت إذاعي مهدد بدلاً منها بدأ بالعد للوراء وكأن الصورة تقترب بصورة سريعة مخيفة من بؤبؤ عين الطفلة.
عندما انتهى العد للوراء ظهرت على الشاشة السوداء مظلة شعاع القنبلة النووية. "هذا ما هو موضوع على كفة الميزان. بناء عالم يمكن لكل ابناء الالهة ان يعيشوا فيه او العودة الى داخل الظلام"، قال المذيع. هذا البث الدعائي الذي استغرق 30 ثانية قضى نهائياً على ترشيح الجمهوري باري جولد فاتير للرئاسة على اعتبار انه كان متطرفاً جداً بالنسبة للحقبة النووية.
في الانتخابات الداخلية لحزب الديمقراطية في العام 2008 استخدمت هيلاري كلينتون سلاح يوم الحساب ضد باراك اوباما عندما استخدمت "طفلة الثالثة ليلاً" على خلفية صورة الطفلة التي تنام وادعة في قلب الليل سمع صوت المُذيع وهو يبشر بصوت الهاتف الذي يرن في الساعة الثالثة ليلاً في البيت الابيض (ازمة نووية). "من الذي كنتم تريدونه ان يرفع سماعة الهاتف هذه؟".
هذا البث الدعائي أصاب أوباما بالفعل في نقطة ضعفه باعتباره حديث العهد في السياسة (عمره 42 عاما وهو منذ سنتين فقط في مجلس الشيوخ) وشوش نجاحاته في الانتخابات التمهيدية في اوهايو وتكساس. في هذه الايام يتضح ان هذا البرنامج الدعائي قد مس بكلينتون نفسها. اوباما هاجم هيلاري لانها ايدت بحماس عملية الهجوم على العراق دون ان تكلف نفسها عناء قراءة التقرير السري للاستخبارات الاميركية الذي شكك في "حقيقة" ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل.
نجاح البث الكبير كان في انه نجح في تحويل المسألة من جدول اعمال دعائي الى جدول الاعمال السياسي. وهنا كان الكاسب الاكبر من ذلك هو جون ماكين، المرشح الجمهوري الذي يعتبر افضل تجربة بين الثلاثة باعتباره كان جنرالاً في الجيش، وهو عضو في مجلس الشيوخ منذ عشرين عاما.
استطلاعات آخر الاسبوع في الولايات المتحدة أظهرت ان ماكين قد بدأ يتفوق على كلينتون لاول مرة بنسبة 10 بالمائة، وعلى اوباما بنسبة 7 بالمائة. لا غرابة، اذاً، انه خرج في جولة الى العراق واسرائيل، باعتباره الراشد الذي يتحلى بالمسؤولية والذي يشغل نفسه في السياسة العالمية بينما يواصل خصماه التصارع في وحلهما.
الديمقراطيون كانوا على ثقة بأن انتصارهم اكيد بعد فترة رئاسة بوش السرنامية الغريبة الاطوار. مئات ملايين الدولارات التي صرفت على بناء صورة كلينتون واوباما العصرية والاصيلة قد تذهب هباء ان فاز ماكين، 72 عاماً، المرشح المغطى بغبار سنوات طويلة من الترحال والتسكع في مبنى الكابيتول.
هل ستتغير ايضاً قوانين الدعاية في الولايات المتحدة اثر ذلك؟ اسم اللعبة اليوم هو: القديم سيفوز على الجديد فقط لانه قديم. هذه النظرية تجد المعجبين فيها بين مئات المستشارين الانتخابيين الاميركيين منذ عقود والذين يشاركون في الحملات في كافة ارجاء العالم. اثنان منهم ارتور فنكلشتاين مستشار نتنياهو في انتخابات 96 وجيمس كارفر الذي كان مستشاراً لايهود باراك في انتخابات 99 قد تسببا في تعيين مرشحين جديدين وغير ناضجين في المعركة السياسية.
الدعاية كانت لامعة، ولكن النتيجة كانت رديئة. نتنياهو وباراك، اللذان عزلا عن منصبيهما في رئاسة الوزراء بعد فترة قصيرة، تسببا في تحطيم السياسة الإسرائيلية وتحويل التسعينيات من عمرها الى عقد ضائع. في اميركا ايضاً تعتبر سنوات حكم بوش الثماني عقداً ضائعاً في التاريخ الاميركي.
من الذي تريده أن يرفع سماعة الهاتف في الثالثة ليلاً؟. سيسأل مواطنو الولايات المتحدة انفسهم، وربما ايضا في اماكن اخرى في العالم في فتراتهم الانتخابية. الرد على هذا السؤال قد يبشر بعودة الناضج والراشد الذي يتحلى بالمسؤولية الذي يمتلك التجربة حتى وان كان مرهقاً ورمادياً مفضلاً على المرشح عديم التجربة رغم انه مجدّد وكاريزماتي.
عن "يديعوت"